أكادير : الثامنة مساءً .. “ساعة صفرٍ” تجمّد حركة سيارات الأجرة بالمدينة - أكادير انفو - Agadir info

أكادير : الثامنة مساءً .. “ساعة صفرٍ” تجمّد حركة سيارات الأجرة بالمدينة

26 فبراير 2017
بقلم:
0 تعليق

الثامنة مساءً .. "ساعة صفرٍ" تجمّد حركة سيارات الأجرة بأكادير

الساعة تشير إلى السابعة وخمس وأربعين دقيقة مساءً، سيارات الأجرة الحمراء والبيضاء متراصة في بعض الاتجاهات، وغائبة تماما في اتجاهات أخرى في محطة الباطوار بوسط أكادير. مواطنون خرجوا للتو من مقرات أعمالهم، هم في طريقهم نحو بيوتهم أو خارجين منها نحو وجهة ما، يقصدون هذه الخدمة العمومية، ولا يجدون حلا غير المزيد من الانتظار.

لا أثر لسيارات الأجرة الحمراء الذاهبة نحو حي الداخلة والسلام، وعدد المواطنين الذين يرغبون في استقلال السيارات المتجهة نحو هذه الوجهة في تزايد، يلوحون كل مرة لأية سيارة أجرة حمراء تقترب منهم، وكثيرا ما يتجمهرون في تدافع ليفتحوا باب السيارة التي توقفت للتو، أو يتدافعون لفتح بابها والصعود حتى قبل السؤال عن الوجهة؛ لكن السائق يخبرهم بأنه لا يرغب في الذهاب إلى أي مكان، فينزل من صعد وهو يشتم حظه العاثر.

هناك وجهات لا تبعد كثيرا عن المسار الذي تصطف فيها السيارات الحمراء التي تقصد حي الداخلة وحي السلام، وبها سيارات بيضاء كبيرة؛ لكن أصحابها لا يرغبون في نقل المواطنين نحو وجهاتهم كإنزكان وهوارة وغيرها من الوجهات، وكلما سألهم شخص ما عن وجهته يقول له السائق في أدب وأحيانا دونه “لا ماغاديش تما”.

يتبادل الناس أطراف الحديث وعيونهم تترقب وصول سيارة أخرى، وهم حذرين من بعضهم؛ فالإضاءة الضعيفة وقصص السرقات الشهيرة التي يتناقلها الناس عن هذه المحطة، تدفع المرء إلى أن يتحسس جيوبه بين الفينة والأخرى، خاصة مع وجود عدد كبير من المتشردين، يتسولون الدراهم والطعام من زبناء المقاهي وأحيانا يكتفون بالاتكاء على حائط واستنشاق مواد كحولية، تجعلهم يسبحون في عوالم خاصة بهم، غير مبالين بالذين حولهم.

رائحة لحم الرأس المطبوخ بالتوابل الزكية، رائحة البطاطس المقلية، رائحة تنبعث من سوائل مسافرين تخلصوا من فضلاتهم في أيّ مكان، لا سيما مع غياب مراحيض عمومية. روائح عديدة، تختلط بأدخنة شوايات ومداخن المطاعم، فتعطي مزيجا يفرض عليك التخلص مما في معدتك إن لم تغادر الوجهة فورا.

بائعون يعرضون سلعهم على الرصيف أو فوق عربات قابلة للدفع، ومواطنون بين الغدو والرواح، لكل وجهة موليها، وقصة يؤجل حكيها إلى أن يجد صاغيا. ولا صاغ لمعاناة مواطنين كل ما يرغبون فيه هو الوصول إلى منازلهم بعد ساعات كثيرة من العمل.

“أنا لا أذهب إلى تلك الوجهة”، “سأسلم السيارة إلى زميل لي بعد دقائق”، “لقد انتهت ساعات عملي”، “أرغب في الذهاب الآن لتناول الطعام”… تبريرات كثيرة يطلقها السائقون؛ لكنها تتقاطع في كون أغلبها حجج واهية تسعى إلى المزيد من كسب الوقت في انتظار أن يحط العقرب الكبير للساعة الثامنة على الدقيقة الصفر، ويبدأ في تشغيل المحرك لكسب دراهم إضافية

حسب المعطيات التي استقيناها بعين المكان، فإن مجموعة من السائقين يضربون عن العمل لمدة بين عشر دقائق وبين عشرين دقيقة، في انتظار الثامنة مساءً، لا لشيء سوى لأن التسعيرة المعمول بها تتضاعف بالنصف بعد هذا التوقيت؛ وهو ما يدفع أغلبية السائقين يمتنعون عن تشغيل محركات سيارتهم في تلك الدقائق القليلة التي تسبق الثامنة.

قد تعينهم هذه الحيلة في زيادة مداخيل مؤقتة ليوم يوشك على الانقضاء؛ لكنها تضاعف في الوقت نفسه متاعب أشخاص قضوا كل يومهم في العمل، ويبحثون عن وسيلة نقل نحو بيوتهم للاستراحة في انتظار يوم آخر.

إذا كان هناك من يعتبر هذا السلوك الذي ينهجه هؤلاء السائقون استغلالا للمواطنين، وإثقالا لكاهلهم بالمزيد من الدراهم، لا سيما أن هذا الفعل يقدم عليه السائقون بترصد وتخطيط مسبق؛ فهناك من يبحث عن أعذار لهذه الشريحة من المهنيين، المجبرين على جمع سومة يومية لدفعها إلى مالك الكريمة، وملء خزان السيارة بالوقود، وما تبقى فهو أجرة السائق اليومية من تعب مضن في الطرقات أثناء نقل المواطنين.

“يشتغل السائق لساعات كثيرة، ولا يتبقى له من كل ذلك سوى بعض الدراهم، والكثير من التعب والمرض” يقول أحد السائقين للجريدة، ثم يضيف: “نزاول هذه المهنة منذ سنوات، ولم يتبق لنا منها سوى الأمراض النفسية والعصبية، وإذا مرض أحدنا، لن يجد قوت يومه”.

يصمت قليلا ثم يردف وهو يشير بأصبعه نحو رجل أسمر نحيف لا تظهر ملامحه كثيرا بفعل قلة الإضاءة: “هل رأيت ذلك الكورتي الذي يوجد يقف هناك في الصف الأول؟ لقد كان مثلنا سائق طاكسي، لكنه مرض منذ سنة، ولم يستطع السياقة، ولم يجد أمامه من مهنة غير السهر على تناوب السيارات مقابل درهم واحد عن كل رحلة، هناك من يتضامن معه فيعطيه أكثر، وهناك من يبخل عليه بذلك الدرهم ويعتبره مجرد متسول”.

تعليقات الزوّار (0)